عرب جورنال / توفيق سلاّم -
ما يحدث من جرائم حرب إنسانية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تؤكد أن أزمة الرأسمالية الإمبريالية في طورها العولمي (النيوليبرالي) الوحشي، هي أزمة عميقة للانهيار التدريجي لمنظومة قيم الحضارة الغربية في عمقها الاستعماري الجديد. ولا شك بأنها تواجه تحديات عاصفة على المستوى العالمي، بنية ومنظومة، لذلك تحاول كبح حركة التاريخ، وإرادة الشعوب في التغيير، لميلاد عالم سياسي واقتصادي عالمي جديد، عالم متنوع متعدد القطبية، بات ضرورة تاريخية عالمية، وليست رغبة سياسية عند هذا الطرف أو ذاك، بل كتلة هائلة من التحولات الكونية، من الصعب إيقافها، بالتحالفات العسكرية والقواعد، وحاملات الطائرات، وتوسيع دائرة الحروب في العالم من أوكرانيا، إلى إفريقيا، إلى فلسطين، في صورة ما يجري من عدوان بربري استعماري صهيوني أمريكي أوروبي غاشم، لاستباحة دماء المدنيين في رقعة صغيرة مكتظة بالسكان، تقاوم بأدوات بسيطة بعناصر مقاومة، وبأسلحة خفيفة ومتوسطة، أمام أكبر خامس جيش في العالم، ولديه مفاعلات نووية لإنتاج الأسلحة الذرية، ومدعوم من العالم الاستعماري على رأسها أمريكا الذي وافق كونجرسها دعم إسرائيل ب 13.3 مليار دولار، إضافة إلى سفن شحن أسلحة.
لا أحد يتصور أن ذلك التحشيد بالأساطيل والسفن والبوارج، والفرقاطات وحاملات الطائرات والغواصات النووية والفرق العسكرية الأمريكية في شرق البحر المتوسط مقصود به مشاركة للكيان الصهيوني في سحق وتدمير غزة المحاصرة منذ 17 عامًا.
قطعًا، غزة هي أحد الأهداف السياسية الاستراتيجية على طريق تصفية القضية الفلسطينية، وفرض رؤية وشروط الكيان الصهيوني حول مضمون الدولة المطلوب إقامتها على أرض فلسطين المحتلة، بحيث تبقى منطقة "حكم ذاتي"، محاصرة من جميع الجهات، وبدون سيادة ولا حدود ثابتة، ولا جيش، ولا استقلال وطني.
رائحة الموت
رائحة الموت تفوح في كل مكان في غزة، آلة الترويع الإسرائيلية، لا تستثني أحداً، القصف الجوي يستهدف المدنيين مساكنهم واحياءهم مدارسهم مشافيهم مساجدهم كنائسهم شوارعهم.. مناطق شمال غزة تنسف مربعاتها السكنية الواحدة تلو الآخرى. إسرائيل تصدر تحذيراتها للسكان بالمغادرة إلى جنوب غزة، يغادر البعض، بينما يرى الآخر لا مكان آمن، وما تتعرض له مناطق الشمال من دمار هي ذاتها في الجنوب. الهروب من مكان إلى آخر لا يقي أهل غزة القتل يتعقب الأطفال والنساء والمسنين والفتيان في كل مكان، تغلقت أبواب النجاة أمام سكان غزة، وتحولت حياتهم إلى تراجيديا دامية، وضنك لا ينتهي، ولم يعد في مقدورهم الإحساس بالطمأنينة، والحصول على حاجياتهم الأساسية، والتمتع بالنوم ساعات متتالية، الجميع ينتظر الموت.. استوطن الإحساس بعدم اليقين بالمستقبل، والشعور بالحيرة والذهول...! فيما تعلن السلطات الإسرائيلية أن الحصار على غزة سيكون تاماً "لا كهرباء، لا ماء، لا دواء، لا أغذية، ولا وقود". لقد جرى تعطيل حصول سكان القطاع على المساعدات الإغاثية الدولية بشكل منتظم ومستدام. ويصف فيليب لازاريني المفوض العام لـ "أونروا" الوضع في غزة بالكارثي، وتقشعر له الأبدان، قائلاً "القطاع يتحول إلى حفرة من الجحيم، وهو على شفا الانهيار". وقالت الأمينة العامة لمنظمّة العفو الدولية، أنياس كالامار، "لقد أظهرت القوات الإسرائيلية، في نيتها المعلنة استخدام كل الوسائل لتدمير "غزة "، ازدراء صادماً لأرواح المدنيين، الذين يقتلون على نطاق واسع وتدمير البنية التحتية، وتجريف الشوارع بقلع الأسفلت. بينما تؤدي القيود التي فرضتها إلى النفاد السريع للمياه والأدوية والوقود والكهرباء. وأكد شهود عيان وناجون، مراراً وتكراراً، أن الغارات الإسرائيلية أبادت عائلات فلسطينية بالكامل، ونسفت أحياء ومربعات سكنية وسوتها بالأرض، الجثث تحت الانقاذ، أحياء وأموات، دمار كبير لم يترك لأقارب الناجين سوى الركام ليذكرهم بأحبائهم..!
المساعدات لا تلبي الاحتياجات
الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش يقول " لقد أصبحت غزة مقبرة للأطفال، الآلاف من الأطفال يقتلون يوميًا، ويضيف "هذا أكبر عدد من القتلى في هذا الصراع، ولم يسبق في تاريخ مؤسستنا هذه الكارثة التي تتجلى يومًا بعد يوم، تجعل من إدخال المساعدات أولوية قصوى وهي ملحة ويجب الاستعجال بها". وأضاف "اليوم تطلق الأمم المتحدة مليار ومائتي دولار لصالح قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. المساعدات التي تدخل من رفح لا تلبي جزءًا طفيفًا من كميات الاحتياجات". فيما اعتبر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن جريفتس " أن مقتل عشرة آلاف شخص في شهر واحد في غزة، يعتبر تحد للإنسانية"، وأضاف أن المنظومة الصحية باتت عاجزة تمامًا وتعاني شللاً تامًا، ودعاء لتوفير ممر إنساني آمن وعاجل لإدخال الإمدادات الطبية والوقود والوفود الطبية.
سيناريوهات محتملة
هدف إسرائيل هو تدمير المؤسسة العسكرية لقوات القسام، وانتزاع سلاحها، وعدم العودة مرة أخرى لتهديد إسرائيل لا عبر الصواريخ، ولا عمليات برية.. إلخ.
وهناك عدة سيناريوهات لقطاع غزة منها:
السيناريو الأول، احتلال قطاع غزة بالكامل ووضعه تحت إدارة الاحتلال.
الثاني، تهجير السكان مع كافة فصائل المقاومة عن قطاع غزة، إلى عدة مناطق في الداخل، أو إلى بلدان عربية مثل مصر والأردن.
الثالث، إدخال قوات حفظ سلام عربية، إلى جانب قوات دولية، تحت إشراف الأمم المتحدة تكون مهمتها لفترة مؤقتة ترتيب وضع القطاع ما بعد حماس.
الرابع، فصل القطاع إلى جزئين شمالي وجنوبي يكون الشمال تحت الإدارة الإسرائيلية، واخضاع الجنوب لانتخابات لتشكيل سلطة جديدة. هذه السيناريوهات وغيرها تخطط لها أمريكا وإسرائيل ودول الغرب للسيطرة على غزة، كمرحلة أولى في امتدادها اللاحق إلى الضفة الغربية، وإلى كامل فلسطين، ودول الجوار.
تحذير بايدن
بايدن من اليوم الأول في خطابه المقتضب حذر من دخول أي أطراف أخرى، وكان يعني بذلك إيران وحزب الله. وإسرائيل تقول أنها تعد نفسها لسنة في الحرب، وأنها قادرة على ضرب أي قوة في المنطقة.
وللحقيقة فإن ما حدث لإسرائيل هو أكبر من نكبة، والوضع الآن على إسرائيل أصعب بكثير من الماضي. وبالتالي فإن إسرائيل ماضية في خسارتها، وفشلها، وهي تعتقد أنها بإمكانها استعادة هيبتها وسمعتها، بعد الضربة المؤلمة يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، التي قصمت ظهرها، أبدا لن تستعيد مكانتها، حتى لو دخل الجيش الإسرائيلي غزة، وأخرج قيادات القسام من غزة، وهذا بطبيعة الحال لن يتحقق لها، فالجرح الذي أصيبت به في عمليات طوفان الأقصى سوف يبقى على الأقل لثلاثة أجيال قادمة. لذلك فإن إسرائيل الآن تنتقم، وتتبع سياسة الأرض المحروقة، وهم يخططون لذلك منذ فترة طويلة، وما يجري حاليًا "سياسة القضم" المتتالي في شمال غرب قطاع غزة، وقصف مناطق الجنوب، وتكثيف الغارات هنا وهناك بالتزامن مع الاجتياح البري على شمال غزة، لمساندة الآليات العسكرية والدبابات لاحداث اختراق، وفصل قطاع غزة إلى شمال وجنوب ليطبقوا الطوق على قلب غزة. لكن ما حدث - حتى الآن - هو تقدم بسيط، ولا يعني شيئا، في ظل مواجهة شديدة وقوية وعنيفة من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية التي أفشلت كل محاولات العدو، وكبدته خسائر كبيرة، واجباره على الانسحاب. ومن ثم تكرار محاولات التقدم، إلا أن العدو الإسرائيلي يواجه مقاومة شرسة أفقدته توازنه، وهو يرى الخسائر الميدانية الكبيرة تزداد مع كل تقدم. هذا الأمر الذي تحاول إسرائيل أن لا تكشف عنه لوسائل الإعلام الإسرائيلية تحديدًا، ولا الغربية، ولا تكشف عن الأرقام الحقيقية لأعداد جنودها وضباطها، وقادة التشكيلات العسكرية القتلى وتخفي جثامينهم في مشافيها عن أهاليهم. فأوضاع إسرائيل من الداخل في حالة اضطراب، والمستوطنون يبحثون عن مخرج لمغادرة إسرائيل إلى مواطنهم الأصلية.
التركيز الواضح من جانب إسرائيل هو استهداف المستشفيات، وخاصة مستشفى الشفاء، وحسب مزاعم إسرائيل أن مركز القيادة والسيطرة موجود تحت مستشفى الشفاء، ومركز آخر تحت مستشفى القدس.
فصل القطاع
الحديث يدور في الكواليس عن فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وهو مالا يمكن القبول به، إلا في إطار مشروع سياسي في وحدة جغرافية وسياسية واحدة وفقًا لمشروع حل الدولتين، ولابد من إجراءات عمل البدء في إجراءات عملية للتوصل لحل الدولتين، وليس لمجرد شعارات، أو مجرد كلمات تنطق في واشنطن أو في عواصم أخرى.
إيقاف الحرب
طرحت إحدى الصحف الأمريكية طلب بايدن من نتنياهو ايقاف الحرب في غضون بضعة أيام.. فهل هذا وارد وما مدى إمكانية تلبية هذا الطلب؟
الأمر الأول أن نتنياهو لا يريد إيقاف الحرب، واعتبر ذلك هزيمة، ولأول مرة يصرح أن إسرائيل تدرس إيقاف الحرب إنسانيًا لمدة بسيطة، هي 4 ساعات، وهذا يعني أن الباب مفتوح ل 20 ساعة من الجرائم، هذه التغطية السياسية الماكرة، وهذه العنصرية النازية الاستعمارية الجديدة تجاوزت الحدود.
مدير ال CIA الأمريكي، وهو شخصية متنفذة جدًا، وإسرائيل تقيم له ألف حساب، وهو موجود في إسرائيل، وقد يخرج منها إلى جولة للمنطقة احتمال للأردن ومصر، وربما للسعودية. وأن إسرائيل تصغي له، وهذا يعني أن هناك مشاورات حول الهدن الإنسانية القصيرة المرتبطة، ربما وفقًا لمعلومات أمريكية بتحرير عدد من الأسرى والرهائن، ليس معروفًا الحجم والعدد حتى الآن. لكن هذا الأمر يلوح في الأفق، وربما يتم تطبيقه في القريب العاجل. ومع ذلك فإن إسرائيل تعطي الأولوية للعمل البري واستهداف ما تزعم أنه مواقع للقيادة والسيطرة في مستشفى الشفاء أو مستشفى القدس، أو بعض الأماكن الأخرى. ربما لن تكون أطماع أمريكا والغرب وإسرائيل غزة وحدها.
وتشير تحليلات سياسية أنه سوف تتغير الخريطة السياسية في الشرق الأوسط، وربما إلى أوسع من ذلك، في ظل الصراع بين القوى الكبرى، لا سيما مع صعود الصين القوة الاقتصادية والعسكرية، وعودة روسيا إلى المسرح الدولي.
التشارك الأمريكي الغربي
التشارك الأمريكي الغربي جريمة حرب، وفضح للديمقراطيات الغربية، وكشف سوأتها في أمريكا وأوروبا، ودللت أن الفاشية والنازية لم تمت، وأن الإعلام الغربي بالغ القدرة في الأنظمة الإمبريالية يعد ركيزة هامة في مخططاتها،
وكلها جرائم حرب ضد الإنسانية.
اليوم تتفق الدول الإمبريالية الاستعمارية على حماية نظام الفصل العنصري في إسرائيل الذي يقتل كل يوم العشرات غالبيتهم من النساء والأطفال والمسنين، وتدمير غزة وحصارها، وتهجير السكان قسرًا، ومصادرة حرية الرأي، وقتل الصحفيين وأسرهم، واستهداف الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، واقتحام المنازل والاعتقالات. وكلها جرائم حرب في القانون الإنساني، واتفاقية جنيف، ونظام روما الأساسي. والسؤال هنا من منح إسرائيل كل هذا الجنون الهستيري في استباحة الدماء، وإزهاق أرواح الأبرياء، وهذا الاستعلاء في القتل العمدي للسكان ليل نهار، وتدمير البيوت والأحياء بكاملها فوق رؤوسهم؟ والإجابة أن من يوفر الغطاء السياسي والعسكري هي أمريكا والغرب، في جرائم الإبادة ضد سكان غزة، وتدمير المدن والقرى الفلسطينية، وتقتيل الشعب وطرده من أرضه، وفرض حصار ظالم لمنع المساعدات الإغاثية للسكان، التي لا تفي باحتياجاتهم، واحتياجات المشافي من اللوازم الطبية والأدوية وغيرها، ومعظمها خرجت عن الخدمة. ليس مطلوبًا من الحكام العرب أن يعلنوا الحرب على إسرائيل، تلك هي الاستحالة بعينها..! كان الشارع العربي ينتظر قطع العلاقات الدبلوماسية، وهي أضعف المواقف، بدلا من الشجب والاستنكار والبيانات. أبدًا لن تظهر شجاعة وجرأة بوليفيا، وتشيلي وكولمبيا.
اختزال الحرب
يحاول الإعلام الغربي، والتابعون للغرفة الأمريكية اختزال الحرب، وكأنها بين إسرائيل وحماس، أو بين إسرائيل وغزة، وإنما هي ضد الشعب الفلسطيني كقضية احتلال استيطاني، ونظام فصل عنصري، وإصرار على تهجير ما تبقى في الضفة والقطاع، وهذا يذكرنا بتهجير الجيش الفلسطيني في مطلع ثمانينات القرن الماضي إلى دول عربية شتى. وبناء على ما تقدم، فإن إسرائيل تعتمد في حربها على غزة، استراتيجية الأرض المحروقة، لقتل المدنيين والحياة برمتها من خلال التركيز على ثلاثة مسارات انتقامية: الأول، تعميم القصف وتكثيف وتيرته في المناطق الآهلة بالسكان.
والثاني، تعطيل وصول الغزيين إلى المواد الأساسية والمساعدات الإنسانية. والثالث، ضرب البنى التحتية، والخدمية، والصحية، مع تعميم القصف واستهداف المناطق السكنية. ودلت كثافة الغارات الجوية على غزة، بحسب خبراء عسكريين، على عدم وجود أهداف عسكرية دقيقة لدى الجيش الإسرائيلي، وميله إلى القصف العشوائي للقطاع بغرض إحداث أكبر عدد ممكن من الضحايا في صفوف المدنيين. رغم أن هذا النهج في ارتكاب الجرائم الجماعية، يتعارض مع القانون الإنساني الدولي، في استهداف المدنيين المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف لعام 1949، ونشير إلى ما ورد في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977. فالمادة الثالثة من اتفاقية جنيف الثالثة "تحظُر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، خصوصًا القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب، ضد الأشخاص الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية". وأكد القانون الدولي حتمية تمييز أطراف النزاع المسلح بين المقاتلين وغير المقاتلين، حتى لا يتضرر المدنيون. وورد في المادة 51 من البروتوكولين الإضافيين أن "المدنيين لا يجوز أن يكونوا هدفاً للهجوم، وأن أعمال العنف، أو التهديد بها التي يكون غرضها نشر الرعب بين السكان المدنيين محظورة".
إذًا المراد ليس القضاء على "حماس" فحسب، بل تصفية القضية الفلسطينية، وقبر حل الدولتين، وغلق باب التفاوض على السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
وعلى صعيد متصل اعتبر حقوقيون وسياسيون الممارسات الإسرائيلية تتجاوز الدفاع عن النفس إلى العقاب الجماعي على المدنيين الفلسطينيين، وهو ما يُعد جريمة حرب بحسب القانون الدولي.
غزة من سجن إلى مقبرة
في ظل الوضع المأساوي المشهود في القطاع، تخشى منظمة العفو الدولية أن "تتحول غزة من أكبر سجن مفتوح في العالم إلى مقبرة جماعية هائلة." ويذهب محللون إلى أبعد من ذلك، معتبرين أن الهجمة الإسرائيلية الشرسة على القطاع لإخلائه من السكان، وتغيير بنيته الديمغرافية، وتحويله إلى مستوطنات جديدة، وأن المراد ليس القضاء على "حماس" فحسب، بل تصفية القضية الفلسطينية، وغلق باب التفاوض على السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
ومعلوم أن كتم أصوات الفلسطينيين ومصادرة حقوقهم بقوة السلاح لن يضمنا الأمان لإسرائيل، ولن يقضيا على فكرة المقاومة، بل سيزيدان في انتشارها وسيؤديان إلى تنويع أشكالها، مع تنامي الشعور بالكراهية تجاه إسرائيل والغرب في المنطقة.
ومن المَعيب أن يستمر جمود المجتمع الدولي وتردده إزاء مأساة المدنيين في غزة. ولا يكفي في هذا الشّأن إصدار بيانات أسف وتنديد وتضامن، فالحرب على غزة أنهكت المدنيين، وأربكت حياتهم، وعرضتهم للتصفية الجسدية، ومخاطر شتى، وأثّرت سلباً على أوضاعهم النفسية والمادية والصحية والمعيشية، وعلى حياتهم اليومية، وجعلتهم موزعين بين خيار البقاء في القطاع ومواجهة خطر الموت في أي لحظة، وخيار الرحيل وتكبّد متاعب وخسائر شتى. وفي الحالتين يفقد الفلسطيني حقّه في حياة آمنة، كريمة ومستقرة.
ختاماً، من المَعيب أن يستمر جمود المجتمع الدولي وتردده إزاء مأساة المدنيين في غزة. اليوم مطلوب من الأمم المتحدة تسجيل موقف تاريخي بقرار حاسم، بوقف الحرب، وإيجاد أفق سياسي للأزمة يُفضي إلى جلوس الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إلى طاولة التفاوض من جديد من أجل تحقيق سلام عادل ومستدام، وحل الدولتين على حدود ال 4 من يونيو 67. وأحرى بدول العالم الحر أن تبذل جهودها الدبلوماسية والأخلاقية لتوقف هذه الحرب الضروس، وتدعم الطموح المشروع للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، كاملة السيادة بناء على المواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة على نحو يضمن صِدقية ما تنادي به تلك الدول من قيم كونية، في مقدمتها تعميم السلام، والعدل والحرية وضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها.