أغسطس 25, 2023 - 00:45
عودة إلى الثقافة القرآنية.. تفسير سورة الكهف وفضلها
عرب جورنال

سورة الكهف هيالسورة 18 في المصحف، وهي مكية كلها، وقد سُمِّيت سورة الكهف بهذا الاسم لورود قصة أصحاب الكهف فيها، وفيها بيان منهج التعامل مع الفتن، وضرب النماذج لذلك، من خلال فتن متنوعة متباينة منها : فتنة الدين، وفتنة المال، وفتنة الأهل والعشيرة، وفتنة العلم، وفتنة المال، وفتنة الولد، وفتنة الاغترار بالدنيا الفانية.

شرح من سورة الكهف ـ تفسير السعدي:

☀️أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا "

وهذا الاستفهام بمعنى النفي, والنهي.

أي: لا تظن أن قصة أصحاب الكهف, وما جرى لهم, غريبة على آيات الله, وبديعة في حكمته, وأنه لا نظير لها, ولا مجانس لها.

بل لله تعالى من الآيات العجيبة الغريبة, ما هو كثير, من جنس آياته في أصحاب الكهف, وأعظم منها.

فلم يزل الله يرى عباده من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم, ما يتبين به الحق من الباطل والهدى من الضلال.

وليس المراد بهذا النفي أن تكون قصة أصحاب الكهف من العجائب, بل هي من آيات الله العجيبة.

وإنما المراد, أن جنسها كثير جدا, فالوقوف معها وحدها, في مقام العجب والاستغراب, نقص في العلم والعقل.

بل وظيفة المؤمن, التفكر بجميع آيات الله, التي دعا الله العباد إلى التفكير فيها, فإنها مفتاح الإيمان, وطريق العلم والإيقان.

وإضافتهم إلى الكهف, الذي هو الغار في الجبل الرقيم, أي: الكتاب الذي قد رقمت فيه أسماؤهم وقصتهم, لملازمتهم له دهرا طويلا.

☀️" إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا "

ثم ذكر قصتهم مجملة, وفصلها بعد ذلك فقال: " إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ " أي: الشباب.

" إِلَى الْكَهْفِ " يريدون بذلك, التحصن والتحرز, من فتنة قومهم لهم.

☀️" فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً "

أي تثبتنا بها وتحفظنا من الشر وتوفقنا للخير

☀️" وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا "

أي: يسر لنا كل سبب موصل إلى الرشد, وأصلح لنا أمر ديننا ودنيانا.

فجمعوا بين السعي والفرار من الفتنة, إلى محل يمكن الاستخفاء فيه, وبين تضرعهم وسؤالهم لله تيسير أمورهم, وعدم اتكالهم على أنفسهم, وعلى الخلق.

فلذلك استجاب الله دعاءهم, وقيض لهم, ما لم يكن في حسابهم قال:

☀️" فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ "

أي أنمناهم " سِنِينَ عَدَدًا " وهي: ثلثمائة سنة, وتسع سنين, وفي النوم المذكور حفظ لقلوبهم من الاضطراب والخوف, وحفظ لهم من قومهم

☀️" ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا "

?" ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ "أي: من نومهم

?" لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا "

أي: لنعلم أيهم أحصى لمقدار مدتهم, كما قال تعالى:

☀️" وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ "

الآية, وفي العلم بمقدار لبثهم, ضبط للحساب, ومعرفة لكمال قدرة الله تعالى, وحكمته, ورحمته.

فلو استمروا على نومهم, لم يحصل الاطلاع على شيء من ذلك, من قصتهم.

☀️" نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى "

هذا شروع في تفصيل قصتهم, وأن الله يقصها على نبيه بالحق والصدق, الذي ما فيه شك ولا شبهة بوجه من الوجوه.

?" إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ " وهذا من جموع القلة, يدل ذلك على أنهم دون العشرة.

☀️" آمَنُوا " بالله وحده لا شريك له من دون قومهم.

فشكر الله لهم إيمانهم, فزادهم هدى.

أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان, زاد الله من الهدى, الذي هو العلم النافع, والعمل الصالح, كما قال تعالى: " ويزيد الله الذين اهتدوا هدى " .

☀️" وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا "

?" وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ " أي صبرناهم وثبتناهم, وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة, وهذا من لطفه تعالى بهم وبره, أن وفقهم للإيمان والهدى, والصبر والثبات, والطمأنينة.

?" إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ "

أي: الذي خلقنا ورزقنا, ودبرنا وربانا, هو خالق السماوات والأرض, المنفرد بخلق هذه المخلوقات العظيمة, لا تلك الأوثان والأصنام, التي لا تخلق ولا ترزق, ولا تملك نفعا ولا ضرا, ولأ موتا ولا حياة ولا نشورا, فاستدلوا بتوحيد الربوبية, على توحيد الإلهية, ولهذا قالوا:

?" لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا " أي: من سائر المخلوقات

?" لَقَدْ قُلْنَا إِذًا " أي: إن دعونا معه آلهة, بعد ما علمنا أنه الرب, الإله الذي لا تجوز, ولا تنبغي العبادة, إلا له

?" شَطَطًا " أي: ميلا عظيما عن الحق, وطريقا بعيدة عن الصواب.

فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية, وتوحيد الإلهية, والتزام ذلك, وبيان أنه الحق, وما سواه باطل.

وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم, وزيادة الهدى من الله لهم.

☀️" هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا "

لما ذكروا ما من الله به عليهم من الإيمان والهدى والتقوى, التفتوا إلى ما كان عليه قومهم, من اتخاذ الآلهة من دون الله, فمقتوهم, وبينوا أنهم ليسوا على يقين من أمرهم, بل في غاية الجهل والضلال فقالوا:

?" لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ " أي: بحجة وبرهان, على ما هم عليه من الباطل, ولا يستطيعون سبيلا إلى ذلك, وإنما ذلك, افتراء منهم على الله, وكذب عليه.

وهذا أعظم الظلم, ولهذا قال:

?" فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا "

☀️" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا "

أي: قال بعضهم لبعض, إذ حصل لكم اعتزال قومكم في أجسامكم وأديانكم, فلم يبق إلا النجاء من شرهم والتسبب بالأسباب المفضية لذلك لأنه لا سبيل لهم إلى قتالهم, ولا إلى بقائهم بين أظهرهم, وهم على غير دينهم.

?" فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ " أي انضموا إليه واختفوا فيه

?" يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا " .

وفيما تقدم, أخبر أنهم دعوه بقولهم " ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا " , فجمعوا بين التبري من حولهم وقوتهم, والالتجاء إلى الله, في صلاح أمرهم, ودعائه بذلك, وبين الثقة بالله أنه سيفعل ذلك.

لا جرم أن الله نشر لهم من رحمته, وهيأ لهم من أمرهم مرفقا.

فحفظ أديانهم وأبدانهم, وجعلهم من آياته على خلقه, ونشر لهم من الثناء الحسن, ما هو من رحمته بهم, ويسر لهم كل سبب, حتى المحل الذي ناموا فيه, كان على غاية ما يمكن من الصيانة, ولهذا قال:

☀️" وَتَرَى الشَّمْسَ " إلى قوله " مِنْهُمْ رُعْبًا " .

" وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا "

أي: حفظهم الله من الشمس, فيسر لهم غارا إذا طلعت الشمس, تميل عنه يمينا, وعند غروبها, تميل عنه شمالا, فلا ينالهم حرها فتفسد أبدانهم بها.

☀️" وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ " أي: من الكهف أي: مكان متسع, وذلك ليطرقهم الهواء, والنسيم, ويزول عنهم الوخم, والتأذي بالمكان الضيق, خصوصا مع طول المكث.

وذلك من آيات الله, الدالة على قدرته ورحمته, وإجابة دعائهم وهدايتهم, حتى في هذه الأمور, ولهذا قال:

☀️" مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي " أي: لا سبيل إلى نيل الهداية, إلا من الله, فهو الهادي المرشد لمصالح الدارين.

☀️" وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا "

يقول تعالى: وكذلك بعثناهم من نومهم الطويل, ليتساءلوا بينهم, أي: ليتباحثوا للوقوف على الحقيقة, من مدة لبثهم.

?" قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ " وهذا مبني على ظن القائل.

وكأنهم وقع عندهم اشتباه.

في طول مدتهم, فلهذا

?" قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ " .

فردوا العلم إلى المحيط علمه بكل شيء, جملة وتفصيلا.

ولعل الله تعالى - بعد ذلك - أطلعهم على مدة لبثهم, لأنه بعثهم ليتساءلوا بينهم, وأخبر أنهم تساءلوا, وتكلموا بمبلغ ما عندهم, وصار آخر أمرهم, الاشتباه.

فلا بد أن يكون قد أخبرهم: يقينا, علمنا ذلك من حكمته في بعثهم, وأنه لا يفعل ذلك عبثا.

ومن رحمته بمن طلب علم الحقيقة في الأمور المطلوب علمها, وسعى لذلك ما أمكنه, فإن الله يوضح له ذلك, وبما ذكر فيما بعده من قوله.

☀️" وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا " .

فلولا أنه حصل العلم بحالهم, لم يكونوا دليلا على ما ذكر.

ثم إنهم لما تساءلوا بينهم, وجرى منهم ما أخبر الله به, أرسلوا أحدهم بورقهم, أي: بالدراهم, التي كانت معهم, ليشتري لهم طعاما يأكلونه, من المدينة, التي خرجوا منها, وأمروه أن يتخير من الطعام أزكاه أي: أطيبه وألذه, وأن يتلطف في ذهابه وشرائه وإيابه, وأن يختفي في ذلك, ويخفي حال إخوانه, ولا يشعرن بهم أحدا.

وذكروا المحذور من اطلاع غيرهم عليها, وظهورهم عليهم, أنهم بين أمرين.

إما الرجم بالحجارة, فيقتلونهم أشنع قتلة, لحنقهم عليهم وعلى دينهم.

وإما أن يفتنوهم عن دينهم, ويردوهم في ملتم.

وفي هذه الحال, لا يفلحون أبدا, بل يحشرون في دينهم ودنياهم وأخراهم.

وقد دلت هاتان الآيتان, على عدة فوائد.

منها: الحث على العلم, وعلى المباحثة فيه, لكون الله بعثهم لأجل ذلك.

ومنها: الأدب فيمن اشتبه عليه العلم, أن يرده إلى عالمه, وأن يقف عند حده.

ومنها: صحة الوكالة في البيع وللشراء, وصحة الشركة في ذلك.

ومنها: جواز أكل الطيبات, والمطاعم اللذيذة, إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه لقوله

☀️" فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ " .

وخصوصا إذا كان الإنسان لا يلائمه إلا ذلك.

ولعل هذا عمدة كثير من المفسرين, القائلين بأن هؤلاء, أولاد ملوك لكونهم أمروه بأزكى الأطعمة, التي جرت عادة الأغنياء الكبار بتناولها.

ومنها: الحث على التحرز, والاستخفاء, والبعد عن مواقع الفتن في الدين, واستعمال الكتمان في ذلك على الإنسان.

وعلى إخوانه في الدين.

ومنها: شدة رغبة هؤلاء الفتية في الدين, وفرارهم من كل فتنة, في دينهم وتركهم أوطانهم في الله.

ومنها: ذكر ما اشتمل عليه الشر, من المضار والمفاسد, الداعية لبغضه, وتركه.

وأن هذه الطريقة, هي طريقة المؤمنين المتقدمين, والمتأخرين لقولهم:

? " وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا " .

☀️" وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا "

يخبر تعالى, أنه أطلع الناس على حال أهل الكهف.

وذلك - والله أعلم - بعدما استيقظوا, وبعثوا أحدهم, يشتري لهم طعاما, وأمروه بالاستخفاء والإخفاء.

فأراد الله أمرا, فيه صلاح للناس, وزيادة أجر لهم, وهو أن الناس رأوا منهم آية من آيات الله, المشاهدة بالعيان, على أن وعد الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا بعد, بعدما كانوا يتنازعون بينهم أمرهم.

فمن مثبت للوعد والجزاء, ومن ناف لذلك.

فجعل قصتهم, زيادة بصيرة ويقين للمؤمنين, وحجة على الجاحدين, وصار لهم أجر هذه القضية.

وشهر الله أمرهم, ورفع قدرهم حتى عظمهم الذين اطلعوا عليهم.

?" فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا " الله أعلم بحالهم ومآلهم.

وقال من غلب على أمرهم - وهم الذين لهم الأمر:

? " لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا " أي: نعبد الله تعالى فيه, ونتذكر به أحوالهم, وما جرى لهم.

وهذة الحالة محظورة, نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم, وذم فاعليها ولا يدل ذكرها هنا, على عدم ذمها, فإن السياق في شأن أهل الكهف والثناء عليهم, وأن هؤلاء وصل بهم الحال إلى أن قالوا: ابنوا عليهم مسجدا بعد خوف أهل الكهف الشديد من قومهم, وحذرهم من الاطلاع عليهم, فوصلت الحال إلى ما ترى.

وفي هذه القصة, دليل على أن من فر بدينه من الفتن, سلمه الله منها.

وأن من حرص على العافية, عافاه الله.

ومن أوى إلى الله, آواه الله, وجعله هداية لغيره.

ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته, كان آخر أمره وعاقبته, العز العظيم, من حيث لا يحتسب " وما عند الله خير للأبرار " .

☀️" سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا "

يخبر تعالى, عن اختلاف أهل الكتاب, في عدة أصحاب الكهف, اختلافا, صادرا عن رجمهم بالغيب, وتقواهم بما لا يعلمون, وأنهم فيهم على ثلاثة أقوال: منهم: من يقول:

?ثلاثة, رابعهم كلبهم, ومنهم من يقول: خمسة, سادسهم كلبهم.

وهذان القولان, ذكر الله بعدهما أن هذا رجم منهم بالغيب فدل على بطلانهما.

ومنهم من يقول:

?سبعة, وثامنهم كلبهم.

وهذا والله أعلم هو الصواب, لأن الله أبطل الأولين, ولم يبطله فدل على صحته.

وهذا من الاختلاف, الذي لا فائدة تحته, ولا يحصل بمعرفة عددهم, مصلحة للناس, دينية, ولا دنيوية, ولهذا قال تعالى:

"? قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ " وهم الذين, أصابوا الصواب وعلموا إصابتهم.

?" فَلَا تُمَارِ " تجادل وتحاج فيهم " إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا " أي: مبنيا على العلم واليقين, ويكون أيضا فيه فائدة.

وأما المماراة المبنية على الجهل والرجم بالغيب, أو التي لا فائدة فيها.

إما أن يكون الخصم معاندا, أو تكون المسئلة لا أهمية فيها, ولا تحصل فائدة دينية بمعرفتها, كعدد أصحاب الكهف ونحو ذلك, فإن في كثرة المناقشات فيها, والبحوث المتسلسلة, تضييعا للزمان, وتأثيرا في مودة القلوب بغير فائدة.

?" وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ " أي: في شأن أهل الكهف " مِنْهُمْ " أي: من أهل الكتاب " أَحَدًا " وذلك لأن مبنى كلامهم فيهم على الرجم بالغيب والظن, الذي لا يغني من الحق شيئا.

ففيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى, إما لقصوره في الأمر المستفتى فيه, أو لكونه لا يبالي بما تكلم به, وليس عنده ورع يحجزه.

وإذا نهى عن استفتاء هذا الجنس, فنهيه هو عن الفتوى, من باب أولى وأحرى.

وفي الآية أيضا, دليل على أن الشخص, قد يكون منهيا عن استفتائه في شيء, دون آخر.

فيستفتى فيما هو أهل له.

بخلاف غيره, لأن الله لم ينه عن استفتائهم مطلقا, إنما نهى عن استفتائهم في قصة أصحاب الكهف, وما أشبهها.

☀️" ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا "

هذا النهي كغيره, وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صل الله عليه وسلم فإن الخطاب عام للمكلفين.

فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة " إني فاعل ذلك " من دون أن يقرنه بمشيئة الله, وذلك لما فيه من المحذور, وهو: الكلام على الغيوب المستقبلة, التي لا يدري, هل يفعلها أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا.

وذلك محذور محظور, لأن المشيئة كلها لله " وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين " ولما في ذكر مشيئة الله, من تيسير الأمر وتسهيله, وحصول البركة فيه, والاستعانة من العبد لربه, ولما كان العبد بشرا, لا بد أن يسهو عن ذكر المشيئة, أمره الله أن يستثنى بعد ذلك, إذا ذكر, ليحصل المطلوب, وينفع المحذور.

ويؤخذ من عموم قوله

☀️" وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ " الأمر بذكر الله عند النسيان, فإنه يزيله, ويذكر العبد ما سها عنه.

وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله, أن يذكر ربه, ولا يكونن من الغافلين.

ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة, وعدم الخطأ, في أقواله وأفعاله, أمره الله أن يقول:

☀️ " عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا " .

فأمره أن يدعو الله ويرجوه, ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد.

وحري بعبد, تكون هذه حاله, ثم يبذل جهده, ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد, أن يوفق لذلك, وأن يأتيه المعونة من ربه, وأن يسدده في جميع أموره.

☀️ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا "

لما نهاه الله عن استفتاء أهل الكتاب, في شأن أهل الكهف - لعدم علمهم بذلك, وكان الله, عالم الغيب والشهادة, العالم بكل شيء - أخبره الله بمدة لبثهم, وأن علم ذلك, عنده وحده, فإنه من غيب السماوات والأرض, وغيبها مختص به.

فما أخبر به عنها على ألسنة رسله, فهو الحق اليقين, الذي لا شك فيه.

وما لا يطلع رسله عليه, فإن أحدا من الخلق, لا يعلمه.

وقوله:

☀️" أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ " تعجب من كل سمعه وبصره, وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات, بعدما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات.

ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة, فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون, الولي لعباده المؤمنين, يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى, ويجنبهم العسرى, ولهذا قال:

☀️" مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ " .

أي: هو الذي تولى أصحاب الكهف, بلطفه وكرمه, ولم يكلهم إلى أحد من الخلق.

☀️" وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا " وهذا يشمل الحكم الكوني القدري, والحكم الشرعي الديني, فإنه الحاكم في خلقه, قضاء وقدرا, وخلقا وتدبيرا والحاكم فيهم, بأمره ونهيه, وثوابه وعقابه.

☀️" واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا "

ولما أخبر أنه تعالى, له غيب السماوات والأرض, فليس لمخلوق إليها طريق, إلا عن الطريق التي يخبر بها عباده, وكان هذا القرآن, قد اشتمل على كثير من الغيوب, أمر تعالى بالإقبال عليه فقال:

?" واتل " إلى قوله " ملتحد " .

التلاوة, هي الاتباع أي: اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها, وتصديق أخباره, وامتثال أوامره ونواهيه, فإنه الكتاب الجليل, الذي لا مبدل لكلماته, أي: لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها, وبلوغها من الحسن, فوق كل غاية

☀️" وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا " .

فلكمالها, استحال عليها التغيير والتبديل.

فلو كانت ناقصة, لعرض لها ذلك, أو شيء منه.

وفي هذا, تعظيم للقرآن, في ضمنه, الترغيب على الإقبال عليه.

☀️" وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا "

أي: لن تجد من دون ربك, ملجأ تلجأ إليه, ولا معاذا تعوذ به.

فإذا تعين أنه وحده, الملجأ في كل الأمور, تعين أن يكون هو المألوه المرغوب إليه, في السراء والضراء, المفتقر إليه في جميع الأحوال, المسئول في جميع المطالب.

☀️" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا "

يأمر تعالى نبيه محمدا, صلى الله عليه وسلم, وغيره أسوته, في الأوامر والنواهي أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين " الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ " أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله.

فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها.

ففيها الأمر, بصحبة الأخيار, ومجاهدة النفس على صحبتهم, ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد, ما لا يحصى.

?" وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ " أي: لا تجاوزهم بصرك, وترفع عنهم نظرك.

?" تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " فإن هذا ضار غير نافع, وقاطع عن المصالح الدينية.

فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا, فتصير الأفكار والهواجس فيها وتزول من القلب, الرغبة في الآخرة, فإن زينة الدنيا, تروق للناظر, وتسحر القلب, فيغفل القلب عن ذكر الله, ويقبل على اللذات والشهوات فيضيع وقته, وينفرط أمره, فيخسر الخسارة الأبدية, والندامة السرمدية ولهذا قال: " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا " غفل عن الله, فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.

?" وَاتَّبَعَ هَوَاهُ " أي: صار تبعا لهواه, حيث ما اشتهت نفسه فعله, وسعى في إدراكه, ولو كان فيه هلاكه وخسرانه, فهو قد اتخذ إلهه هواه كما قال تعالى: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم " الآية.

" وَكَانَ أَمْرُهُ " أي: مصالح دينه ودنياه " فُرُطًا " أي: ضائعة معطلة.

فهذا قد نهى الله عن طاعته, لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به, ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به.

ودلت الآية, على أن الذي ينبغي أن يطاع, ويكون إماما للناس, من امتلأ قلبه بمحبة الله, وفاض ذلك على لسانه, فلهج بذكر الله, واتبع مراضي ربه, فقدمها على هواه, فحفظ بذلك ما حظ من وقته, وصلحت أحواله, واستقامت أفعاله, ودعا الناس إلى ما من الله به عليه.

فحقيق بذلك, أن يتبع ويجعل إماما.

والصبر, المذكور في هذه الآية, هو الصبر على طاعة الله, الذي هو أعلى أنواع الصبر, وبتمامه يتم باقي الأقسام.

وفي الآية, استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار, لأن الله مدحهم بفعله.

وكل فعل مدح الله فاعله, دل ذلك على أن الله يحبه, وإذا كان يحبه فإنه يأمر به, ويرغب فيه.

والله أعلم.

فضل قراءة سورة الكهف:مـــحـــــمــــﷺــــــــد

عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: «مَن قرأَ سورةَ الكَهْفِ ليلةَ الجمعةِ، أضاءَ لَهُ منَ النُّورِ فيما بينَهُ وبينَ البَيتِ العَتيقِ»

سنن الدارمي كتاب فضائل القرآن باب في فضل سورة الكهف.

مـــحـــــمــــﷺــــــــد: اللَّـﮬـُمَّ صـَلِِّ وَسَلِّـمْ وَبَارِكْ ؏َـلَےسَيِّدِنَـامُحَمـَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً ﷺ? ﷺ?ﷺ?ﷺ? مـــحـــــمــــﷺــــــــد