أغسطس 22, 2023 - 02:19
عودة إلى الثقافة القرآنية.. درس "الحمد لله"
عرب جورنال

قال الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله ﴿قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِینَ ٱصۡطَفَىٰۤۗ ءَاۤللَّهُ خَیۡرٌ أَمَّا یُشۡرِكُونَ (٥٩) أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَاۤىِٕقَ ذَاتَ بَهۡجَةࣲ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُوا۟ شَجَرَهَاۤۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمࣱ یَعۡدِلُونَ (٦٠) أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارࣰا وَجَعَلَ خِلَـٰلَهَاۤ أَنۡهَـٰرࣰا وَجَعَلَ لَهَا رَوَ ٰ⁠سِیَ وَجَعَلَ بَیۡنَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ (٦١)﴾ [النمل ٥٩-٦١]

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ هَذا خِطابٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أُمِرَ أنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلى هَلاكِ الأُمَمِ الكافِرَةِ، وقِيلَ: عَلى جَمِيعِ نِعَمِهِ، ﴿وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ، الَّذِينَ اصْطَفى﴾ فِيهِمْ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.أحَدُها: الرُّسُلُ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. ورَوى عَنْهُ عِكْرِمَةُ، قالَ: اصْطَفى إبْراهِيمَ بِالخُلَّةِ، ومُوسى بِالكَلامِ، ومُحَمَّدًا بِالرُّؤْيَةِ.والثّانِي: أنَّهم أصْحابُ مُحَمَّدٍ ﷺ، رَواهُ أبُو مالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وبِهِ قالَ السُّدِّيُّ.والثّالِثُ: أنَّهُمُ الَّذِينَ وحَّدُوهُ وآَمَنُوا بِهِ، رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.والرّابِعُ: أنَّهُ مُحَمَّدٌ ﷺ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ.قَوْلُهُ تَعالى: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أمّا يُشْرِكُونَ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: مَجازُهُ: أوْ ما يُشْرِكُونَ، وهَذا خِطابٌ لِلْمُشْرِكِينَ؛ والمَعْنى: اللَّهُ خَيْرٌ لِمَن عَبْدَهُ، أمِ الأصْنامُ لِعابِدِيها؟! ومَعْنى الكَلامِ: أنَّهُ لَمّا قَصَّ عَلَيْهِمْ قَصَصَ الأُمَمِ الخالِيَةِ، أخْبَرَهم أنَّهُ نَجّى عابِدِيهِ، ولَمْ تُغْنِ الأصْنامُ عَنْهم.قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ﴾ تَقْدِيرُهُ: أما يُشْرِكُونَ خَيْرٌ، أمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ ﴿والأرْضَ وأنْزَلَ لَكم مِنَ السَّماءِ ماءً فَأنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ﴾ ؟! فَأمّا الحَدائِقُ، فَقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هي البَساتِينُ، واحِدُها: حَدِيقَةٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّهُ يُحْدِقُ عَلَيْها، أيْ: يَحْظُرُ، والبَهْجَةُ: الحَسَنُ.قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما كانَ لَكم أنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها﴾ أيْ: ما يَنْبَغِي لَكم ذَلِكَ [لِأنَّكُمْ] لا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قالَ مُسْتَفْهِمًا مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: ﴿أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾؟! أيْ: لَيْسَ مَعَهُ إلَهٌ ﴿بَلْ هُمْ﴾ يَعْنِي: كُفّارَ مَكَّةَ ﴿قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ وقَدْ شَرَحْناهُ في فاتِحَةِ (الأنْعامِ) . ﴿أمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرارًا﴾ أيْ: مُسْتَقَرًّا لا تَمِيدُ بِأهْلِها ﴿وَجَعَلَ خِلالَها﴾ أيْ: فِيما بَيْنَها ﴿أنْهارًا وجَعَلَ لَها رَواسِيَ﴾ أيْ: جِبالًا ثَوابِتَ ﴿وَجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حاجِزًا﴾ أيْ: مانِعًا مِن قُدْرَتِهِ بَيْنَ العَذْبِ والمِلْحِ أنْ يَخْتَلِطا، ﴿بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾ قَدْرُ عَظَمَةِ اللَّهِ.

(تفسير ابن الجوزي — ابن الجوزي (٥٩٧ هـ))